الحجاج والغلام
انت في الصفحة 5 من 5 صفحات
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي
وقــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا
وأنت عـــليـــك تسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول:
تـنوح على البلاد ومن عليها
وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم
مــن الـمـولى وقـلـبك مسـتريـح
خدعتك في دهائي ثم مكري
إلى أن فـاتـك العيش الرشيح
فقال الحجاج: أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم؟
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني
قبل العيال على عسر وإيسار
فقال الحجاج: أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك.
ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة، وجارية وسيف وفرس، وقال الحجاج في نفسه: إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته.
فلما قدمها له، ثم قال الحجاج: خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية، وقالت: خذني أنا خير من الجميع.
فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول:
وقــرقعــت اللجان بـــرأس حــمرًا
أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني
أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي
وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق
وجار الدهر بي لا تنصريني
تــمــيلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول:
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول
ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجــي فــي ضميري
وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي
ستــعــلم أنـــني خــير القرين
فقال الحجاج: ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الحجاج: خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام: قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام: من أين أخرج يا حجاج؟
فأجابه الحجاج: أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج: هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشار مؤتمن..
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالمًا غانمًا بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن اطلاعه.