الجمعة 27 ديسمبر 2024

قصة الفلاح

انت في الصفحة 1 من 5 صفحات

موقع أيام نيوز

قصةالْفَلَّاحُ
خَرَج الْمُنَادِي عَلَى ظَهْرِ حِمَارِه وَطَاف شَوَارَع الْعِزْبَة وَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ الْحَدِيدَ تَكَلَّم.  
تَوَافَد الفَلاحُون والصيادون لِأَكْثَر مِنْ أُسْبُوعٍ عَلَى مَقْهَى عِيد،  لِمُشَاهَدَةِ الْحَدِيد الَّذِي يَتَحَدَّث، وَاسْتَغْرَق الْأَمْرُ شُهُورًا حَتَّى اِقْتَنَع النَّاسُ أَنَّ الرَّادْيُو اخْتِرَاعٌ عَبْقَرِيٌّ، يَنْقِلُ أَصْوَاتَ المطربين وَالْمُقْرِئِين والإذاعيين عَبْرَ الْهَوَاء لِلْأِسْمَاع.  

يَوْمِهَا كَانَ حَسَنٌ كميج، الْفَلَاحُ الْأُمِّيّ ابْنُ الْعِشْرِينَ، الضئيلُ كعنزة،  وَالْجَمِيلُ بِشَعْرِه الْأَصْفَر وَعَيْنَيْه الخضراوين، شَابًا مَجْهُولًا حَتَّى لِأَقَارِبِه مِنْ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ.  
وَذَات صَبَاحٍ خَطَرَت لَه فكَرِة.  
حَمَل كِيس سَكِر، وَجَلَسَ عَلَى حَافَّةِ مَصْرِف الْمَاء الْعَذْبِ، وَظِلّ يُذَوِّبُ السُّكَّرَ فِي الْمَاءِ بِيَدَيْهِ.  
- مَاذَا تَفْعَلُ ؟! سَأَلْتُه زُبَيْدَة ابْنَةُ عَمِّهِ.  
- أُحَلِّي مَاء الْمَصْرِف ليصلنا حُلْوًا ! 
زُبَيْدَة الَّتِي تَصْغُر حَسَنًَا بِسَبْعَة أَعْوَام، مِنْ أَجْمَلِ بَنَات الْعِزْبَة،  وَجْههَا جَمِيلٌ أَبْيَض، خَضْرَاء الْعَيْنَيْن ويتماوج شَعْرُهَا الغزير بَيْن لَوْنَيْن، بني وأصفر، وَكَانَت نحيلة وَقَصِيرِة ومتناسقة التَّفَاصِيل،  وَمُنْذ بَلَغَت تِسْعَ سِنِين أَحَبَّت حَسَنًَا وَتَعَلَّقَتْ بِهِ، دُونَ أَنْ يَنْتَبِهَ هُو لِهَذَا الْحَبّ، رَغَم أَن زُبَيْدَة قَضَت أَغْلَب سَنَوَات طفولتها وصباها فِي بَيْتِ حَسَنٍ، وَأَحَبَّت زَوْجَة عَمّهَا وَهِي أحبتها، وَغَسَلَت وطبخت وخبزت ونظفت، كَأَنَّمَا كَانَتْ ابْنَةً لِامْرَأَتَيْن. 


كان الماء ينبع من مضخات حديدية، ذات ذراع حديدي يعمل كمضخة، يتجمع الرجال والنساء والأولاد والبنات، ويملأ كل واحد منهم آنيته النحاسية، وخُيّل لحسن أنه عندما يضع السكر في المصرف، سيصبح الماء حلوًا في كل مكان، أحب أن يفعل شيئًا جميلًا للبط والإوز والكلاب والبشر. لكن الحادث أصبح حديث العزبة، واشتهر حسن وصار رمزًا للعبط  والطيبة والخلل العقلي الطفيف، وسببًا لإضحاك الناس وحكاياتهم الساخرة. 

كانت أمه فضة، فلاحة بارعة في صناعة الخبز الكميج المعجون باللبن، وذات صباح في صباه، أعطت لأولادها السبعة كل واحد رغيفًا، وكان رغيف حسن أصغر حجمًا، فغضب وبكى وشكى أمه لنساء العزبة، ومنذ ذلك اليوم التصقت به كلمة كميج. 
دخل السينما للمرة الأولى بعد أن أقنعه ابن عمه وأخذه معه، وضع المخرج كاميرا على منتصف السكة الحديدية، ثم ظهر القطار وهو ينفث البخار ويُدوي صوتُه، وانطلق في مواجهة جمهور السينما، لكن حسن قفز وصرخ وجرى في العتمة ناحية الخلف. 

- غيتونا يا ناس القطر هياكلنا!
وفي المرة الثانية رأى حريقًا هائلًا داخل الفيلم، فحمل دلو ماء توضع فيها زجاجات كوكا كولا وحاول إطفاء الحريق!
وضحك الناس في القاعة وأصبح حسن شخصية ساخرة معروفة. 
كان يعمل فلاحًا أجيرًا، يركب حماره الأبيض في الصباح الباكر ويذهب إلى غيط الحاج شبانة، ويصلي الظهر والعصر في الأرض، ثم يرجع إلى بيته. 

انت في الصفحة 1 من 5 صفحات