قصة الفلاح
أكلتا وشربتا، وطلب "زبادي الساحر" أضعاف المبلغ الذي أخذه في المرة الأولى، ولأن الصد@مة صعقت زبيدة لضخامة المبلغ، أحست أنها تورطت في عمل حقير وقذر، خاصة عندما راودها الساحر بكلمات ثعبانية متحفزة، مقابل فك السحر، لكنها رفضت وغضبت وهمت بالانصراف.
أقنعهما بالبقاء، وطمأنتها ميرفت، أوهم زبيدة أنه سيفك السحر مجانًا لأجل خاطرها، ولم تمر عشرون دقيقة، حتى مالت ميرفت برأسها على كتف زبيدة، ومالت بها زبيدة على الأريكة، وسكرتا سُكرًا شديدًا.
وعدهما الساحر أنه لن يعرف أحد ما حدث، لطمت وبكت وانهارت وارتعبت، لعنت الساحر وسبته وضربته بيديها على صدره، وبدت أمامه كعصفورة أمام دب ضخم، ثم انهارت وسقطت على الأرض. واستها ميرفت وفي عينيها فرحة وشماتة وابتسامة أفعى.
- لا ينبغي أن يعرف أحد ما جرى أبدًا يا زبيدة، مفهوم؟
- لقد أخذ شرفنا يا ميرفت.
ثم بكت ولطمت وجهها عدة مرات، لكنها أفاقت قليلًا عندما فهمت أن ميرفت لم تكن عذر١ء مثلها! وخطر ببالها هاجس فظيع..
عاد حسن لطبيعته، وعادت الفرحة الغائبة لروحه المسالمة، بعد أن داس على ماء مرشوش على الأرض.
ظلت زبيدة ترفض كل العرسان الذين تقدموا لخطبتها، وتحير أهلها في حالها وظنوا أن امرأة من أهل العزبة عملت لها عملًا بوقف الحال، وذات يوم أخبرتها ميرفت أن الساحر هزمه الشوق، فتيقنت مما أحسه قلبها، لكنها كتمت غضبها في صدرها كي لا تتعارك معها في البيت ويفتضح السر.
الشمعة التي انطفأت في عينيها لم ينتبه لغيابها أحد، لكن حسن كان شفافًا، سألها مرات ومرات، مرت أعوام عديدة وحسن يسألها عن حزنها الخفي المتوهج كجمرة، قبل وفاة أبويها كان الحزن كبيرًا، وبعد الفراق ظل يتعاظم ويغشاها كظلمة.
ظلت الزوجة تدخر كل قرش أبيض لأجل الأيام السوداء والأيام الرمادية، وكانت (قمائن) الطوب التي أقامها مسعود الشرقاوي في العزبة تداعب خيال الفلاحين لبناء بيوتهم من جديد بالطوب الأحمر المصنوع من طين الأرض، رغم أن مشهد الأرض المجرفة السوداء كان بشعًا وغريبًا على أشخاص اعتادوا رؤية الأرض خضراء يانعة.
بدأ بشراء ألف طوبة، وخلال سبعة أعوام صار يملك أربعة جدران وسقفًا من الأخشاب.
انتقل للسكن في البيت الجديد مع أولاده ولم تكن للغرف أبواب، وعلى الحمام ستارة وأمام باب البيت زير ماء من الفخار بكوب ألومنيوم، وأقام تعريشة من أغصان الكافور للحمار تحميه من الشمس والمطر.
عندما أنشأت المحافظة أول مدرسة في المدينة كان أكبر أبنائه قد تجاوز العاشرة، ولم يحب أبناؤه كتاب الشيخ فخري، لأنه يستخدم عصا خيزران رفيعة ولا يتساهل مع أغبياء، وكبر الأولاد كأبيهم، يحملون أختامًا نحاسية ويبصمون بالإبهام..